مدونة البورصة وأسواق المال

آخر الأخبار
التحيزات المعرفية التي تؤثر على قرارات التداول
التحيزات المعرفية التي تؤثر على قرارات التداول

التحيزات المعرفية التي تؤثر على قرارات التداول

تاريخ النشر: 22 أبريل 2025

يعتقد الكثير من المتداولين أن نجاحهم في الأسواق المالية يعتمد بشكل أساسي على قدرتهم على تحليل الرسوم البيانية أو فهم البيانات الاقتصادية. لكن الحقيقة هي أن العقل البشري يخضع لمجموعة من التحيزات المعرفية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قرارات التداول، حتى لدى المتداولين ذوي الخبرة. في هذا المقال، سنستكشف أهم التحيزات المعرفية التي تؤثر على المتداولين وكيفية التغلب عليها لتحسين نتائج التداول.

ما هي التحيزات المعرفية؟

التحيزات المعرفية هي أنماط تفكير غير منطقية أو اختصارات عقلية تؤثر على طريقة معالجتنا للمعلومات واتخاذنا للقرارات. هذه التحيزات متأصلة في طريقة عمل الدماغ البشري، وقد تطورت عبر آلاف السنين لمساعدتنا على اتخاذ قرارات سريعة في مواقف معينة. ومع ذلك، في سياق الأسواق المالية المعقدة، يمكن لهذه التحيزات أن تؤدي إلى قرارات غير عقلانية وخسائر مالية.

في عالم التداول، تعمل التحيزات المعرفية كمرشحات تشوه الطريقة التي نرى بها المعلومات ونفسرها. فبدلاً من تقييم البيانات بموضوعية، قد نميل إلى رؤية ما نريد رؤيته أو تجاهل المعلومات التي لا تتوافق مع معتقداتنا السابقة.

حقيقة مهمة: تشير الدراسات في مجال التمويل السلوكي إلى أن التحيزات المعرفية قد تكون مسؤولة عن ما يصل إلى 80% من الأخطاء التي يرتكبها المتداولون، بغض النظر عن مستوى خبرتهم.

أهم التحيزات المعرفية التي تؤثر على المتداولين

1. تحيز التأكيد (Confirmation Bias)

تحيز التأكيد هو ميل الإنسان إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداته الحالية وتجاهل المعلومات التي تتعارض معها. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما يبحث المتداول فقط عن الإشارات التي تدعم وجهة نظره حول اتجاه السوق، متجاهلاً الإشارات المعاكسة.

مثال: إذا كان المتداول يعتقد أن سهماً معيناً سيرتفع، فقد يركز فقط على الأخبار الإيجابية عن الشركة ويتجاهل المؤشرات السلبية، مما قد يؤدي إلى قرار استثماري غير سليم.

كيفية التغلب عليه:

- ابحث عمداً عن وجهات نظر معارضة لرأيك.

- اطلب رأي متداولين آخرين لديهم وجهات نظر مختلفة.

- ضع قائمة بالأسباب التي قد تجعل تحليلك خاطئاً.

- استخدم قوائم مراجعة موضوعية قبل اتخاذ قرارات التداول.

2. تحيز الإدراك المتأخر (Hindsight Bias)

تحيز الإدراك المتأخر هو الميل إلى الاعتقاد، بعد وقوع حدث ما، بأنه كان يمكن التنبؤ به بسهولة. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما ينظر المتداول إلى تحركات السوق الماضية ويعتقد أنها كانت واضحة وسهلة التوقع.

مثال: بعد ارتفاع سعر سهم ما، قد يقول المتداول "كنت أعلم أن هذا سيحدث" رغم أنه لم يتخذ أي إجراء في وقت سابق.

كيفية التغلب عليه:

- احتفظ بسجل تداول يوثق أسباب قراراتك وتوقعاتك قبل اتخاذها.

- راجع قراراتك السابقة بموضوعية، مع التركيز على عملية اتخاذ القرار وليس فقط النتيجة.

- اعترف بأن الأسواق غير متوقعة بطبيعتها وأن بعض الأحداث لا يمكن التنبؤ بها.

3. تحيز الألفة (Familiarity Bias)

تحيز الألفة هو الميل إلى تفضيل الأشياء المألوفة على الأشياء غير المألوفة. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما يستثمر المتداولون في شركات أو قطاعات يعرفونها جيداً، متجاهلين فرص استثمارية أخرى قد تكون أفضل.

مثال: قد يميل المتداول إلى الاستثمار فقط في شركات بلده أو في القطاع الذي يعمل فيه، مما يؤدي إلى محفظة غير متنوعة بشكل كافٍ.

كيفية التغلب عليه:

- تعمد استكشاف أسواق وقطاعات جديدة.

- استخدم معايير موضوعية لتقييم الفرص الاستثمارية بدلاً من الاعتماد على الشعور بالألفة.

- تعلم عن مزايا التنويع واعتمد استراتيجية تنويع مدروسة.

4. تحيز الخسارة (Loss Aversion)

تحيز الخسارة هو الميل إلى الشعور بألم الخسارة بشكل أكبر من متعة الربح بنفس القيمة. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما يتمسك المتداولون بالاستثمارات الخاسرة لفترة طويلة على أمل استعادة خسائرهم، بينما يسارعون إلى بيع الاستثمارات الرابحة.

مثال: قد يرفض المتداول بيع سهم انخفضت قيمته بنسبة 20% على أمل أن يتعافى، بينما يبيع سهماً آخر بمجرد ارتفاعه بنسبة 10%.

كيفية التغلب عليه:

- ضع قواعد واضحة لوقف الخسارة وجني الأرباح قبل الدخول في أي صفقة.

- قيّم كل استثمار بناءً على آفاقه المستقبلية، وليس على أساس سعر الشراء الأصلي.

- تدرب على النظر إلى الخسائر كجزء طبيعي من عملية التداول وفرصة للتعلم.

5. تحيز الثقة المفرطة (Overconfidence Bias)

تحيز الثقة المفرطة هو المبالغة في تقدير المعرفة والقدرات الشخصية. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما يعتقد المتداولون أنهم يمكنهم التنبؤ بتحركات السوق بدقة أكبر مما هو ممكن فعلياً.

مثال: قد يتخذ المتداول قرارات تداول كبيرة بناءً على تحليله الشخصي، معتقداً أنه يمتلك رؤية فريدة للسوق، متجاهلاً المخاطر والتحليلات المعارضة.

كيفية التغلب عليه:

- احتفظ بسجل دقيق لتوقعاتك ونتائجها الفعلية لتقييم دقة تنبؤاتك بموضوعية.

- ضع في اعتبارك دائماً أن هناك عوامل كثيرة خارج سيطرتك تؤثر على الأسواق.

- اطلب النقد البناء من متداولين آخرين أو مستشارين ماليين.

6. تحيز القطيع (Herd Bias)

تحيز القطيع هو الميل إلى اتباع سلوك الآخرين بدلاً من اتخاذ قرارات مستقلة. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما يشتري المتداولون أو يبيعون أصولاً معينة لمجرد أن الآخرين يفعلون ذلك.

مثال: قد ينجذب المتداولون إلى شراء أسهم شركة ما بعد ارتفاع سعرها بشكل كبير، مدفوعين بالحماس العام، دون تحليل أساسيات الشركة بشكل كافٍ.

كيفية التغلب عليه:

- طور استراتيجية تداول خاصة بك واتبعها بانضباط.

- قم بتحليلك الخاص قبل اتخاذ أي قرار تداول.

- كن حذراً بشكل خاص عندما تكون هناك حالة من الإثارة أو الذعر في السوق.

ملاحظة مهمة: تحيز القطيع هو أحد أكثر التحيزات تأثيراً في الأسواق المالية، وهو المسؤول جزئياً عن تكوين فقاعات الأسعار والانهيارات السوقية.

7. تحيز التمثيل (Representativeness Bias)

تحيز التمثيل هو الميل إلى اتخاذ قرارات بناءً على أوجه تشابه سطحية مع أحداث سابقة، دون مراعاة الاحتمالات الأساسية. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما يفترض المتداولون أن نمط سعري معين سيؤدي إلى نفس النتيجة التي أدى إليها في الماضي.

مثال: إذا ارتفع سهم شركة تكنولوجية ناشئة بسرعة، قد يفترض المتداول أنها ستكون "الشركة التالية مثل أبل"، متجاهلاً الاختلافات الجوهرية بين الشركتين.

كيفية التغلب عليه:

- تذكر أن التاريخ لا يكرر نفسه بالضبط، وأن كل وضع سوقي فريد من نوعه.

- ركز على البيانات الإحصائية والاحتمالات بدلاً من القصص والتشابهات السطحية.

- اعتمد على التحليل الشامل الذي يأخذ في الاعتبار العوامل الفريدة لكل استثمار.

8. تحيز الإرساء (Anchoring Bias)

تحيز الإرساء هو الميل إلى الاعتماد بشكل مفرط على المعلومات الأولى التي نتلقاها (المرساة) عند اتخاذ القرارات. في التداول، يظهر هذا التحيز عندما يتأثر المتداولون بشكل كبير بسعر شراء الأصل أو بتوقعات سعرية سابقة.

مثال: إذا اشترى متداول سهماً بسعر 100 دولار، قد يرفض بيعه بسعر 80 دولار حتى لو كانت التوقعات تشير إلى مزيد من الانخفاض، لأنه "مرتبط" بسعر الشراء الأصلي.

كيفية التغلب عليه:

- قيّم الأصول بناءً على قيمتها الحالية والمستقبلية، وليس على أساس أسعار سابقة.

- استخدم مجموعة متنوعة من المصادر والمنهجيات لتقييم الاستثمارات.

- كن على استعداد لتغيير رأيك عندما تتغير الظروف السوقية.

استراتيجيات عامة للتغلب على التحيزات المعرفية

1. تطوير الوعي الذاتي

الخطوة الأولى للتغلب على التحيزات المعرفية هي الاعتراف بوجودها. كن صادقاً مع نفسك حول تحيزاتك وكيف يمكن أن تؤثر على قراراتك. الوعي الذاتي هو بداية التغيير.

2. اتباع منهجية منظمة في التداول

طور استراتيجية تداول واضحة تعتمد على معايير موضوعية وقواعد محددة. اتباع منهجية منظمة يقلل من تأثير العواطف والتحيزات على قراراتك.

3. استخدام التداول الآلي

يمكن للأنظمة الآلية أن تساعد في تنفيذ استراتيجيات التداول بدون تدخل العواطف أو التحيزات البشرية. ومع ذلك، تذكر أن هذه الأنظمة يتم برمجتها من قبل البشر، لذا قد تحتوي أيضاً على بعض التحيزات.

4. التعلم المستمر

استمر في تعليم نفسك حول التحيزات المعرفية وكيفية تأثيرها على قرارات التداول. كلما زادت معرفتك، زادت قدرتك على التعرف على هذه التحيزات ومكافحتها.

5. الاستعانة بمنظور خارجي

اطلب رأي متداولين آخرين أو مستشارين ماليين. يمكن للمنظور الخارجي أن يساعد في كشف التحيزات التي قد لا تكون واعياً بها.

6. مراجعة وتحليل الأداء

قم بمراجعة منتظمة لقرارات التداول السابقة وتحليل النتائج. ابحث عن أنماط من التحيزات التي قد تكون أثرت على قراراتك واستخدم هذه المعرفة لتحسين أدائك المستقبلي.

دراسات حالة: تأثير التحيزات المعرفية على قرارات التداول

حالة 1: فقاعة الدوت كوم

خلال أواخر التسعينيات، دفع تحيز القطيع والثقة المفرطة المستثمرين إلى ضخ أموال هائلة في شركات الإنترنت الناشئة، متجاهلين التقييمات المبالغ فيها والأساسيات الضعيفة. عندما انفجرت الفقاعة في عام 2000، تكبد المستثمرون خسائر فادحة.

حالة 2: الأزمة المالية العالمية 2008

لعبت التحيزات المعرفية دوراً كبيراً في الأزمة المالية العالمية. تحيز التأكيد دفع المستثمرين والمؤسسات المالية إلى تجاهل علامات التحذير المتعلقة بسوق الإسكان، بينما أدى تحيز الإرساء إلى الاعتقاد بأن أسعار المساكن ستستمر في الارتفاع إلى الأبد.

الخلاصة

التحيزات المعرفية هي جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، ولا يمكن القضاء عليها تماماً. ومع ذلك، فإن الوعي بهذه التحيزات وتطوير استراتيجيات للتعامل معها يمكن أن يحسن بشكل كبير من قرارات التداول ويزيد من فرص النجاح في الأسواق المالية.

تذكر أن التغلب على التحيزات المعرفية هو رحلة مستمرة وليس وجهة نهائية. كن صبوراً مع نفسك واستمر في التعلم والتطور. مع الوقت والممارسة، ستصبح أكثر وعياً بتحيزاتك وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات تداول موضوعية ومدروسة.

في النهاية، قد يكون الفرق بين المتداول الناجح والمتداول غير الناجح ليس في قدرتهما على تحليل الأسواق، بل في قدرتهما على التعرف على تحيزاتهما المعرفية والتغلب عليها.

ليست هناك تعليقات: